عن المدونة

تهدف المدونة الى البحث عن كل ما هو غريب فى العالم
أخبار الإنترنت
recent

القنبلة الذرية

                                           

                                                   القنبلة الذرية

  
 
في 16 تموز عام 1945 وفي صحراء نيومكسيكو جنوب لوس ألاموس، تمت تجربة أول انفجار ذري للوقوف على مدى إمكانية انفجار القنابل الجديدة في إطار العمليات الحسابية. ولقد برهنت هذه التجربة أنه أشد قوة مما كان ينتظر العلماء، حيث بلغت قوة التفجير ما يقرب من 2000 طن من مادة (T.N.T) طبقاً لتقديرات أنريكو فيرمي. وقد انطلق منها ضوء ساطع وهاج بلغ من شدته أن شعرت به فتاة كفيفة من مكان يبعد عدة أميال. لقد غمرت جنبات الإقليم كله ضوء كشاف بلغ في شدته أضعافاً مضاعفة من ضوء الشمس.
وما أن انقضت 30 ثانية بعد أن تم الانفجار حتى هبت موجة هواء لافحة ضغطت بقوة رهيبة على الإنسان والجماد، ثم تبعها فوراً صوت راعد هادر متصل مخيف كأنه النذير الذي يؤذن بيوم الحشر. ثم تكون الغبار الذري وتجمع الغيام على هيئة قبة ضخمة اتخذت طريقها صاعدة في قلب السماء فغمرت الإقليم كله بإظلام تام وأحدث الانفجار في الصحراء فجوة كأنها فوهة بركان عمقها 69 متر وقطرها 360 متر, صهرت الرمال التي كانت تغطي هذه الفوهة. وعندما بردت وتماسكت بطنت الفوهة من الداخل بغشاء من الزجاج الأخضر. وأضيرت الأعشاب التي كانت نامية على أبعاد وصلت إلى 1500 متر وذلك بفعل لفح الهواء. وعلى بعد 3 كيلومترات غطيت النباتات النامية بالطين والرمال المشعة التي أثارتها الرياح.
الحرب النفسية:
مات الرئيس روزفلت في نيسان عام 1945. وتولى بعده الرئيس ترومان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية. وتلهف الرئيس الجديد والشعب الأمريكي للحصول على نصر عاجل في الحرب العالمية الثانية، إلا أن الموافقة على مبدأ استعمال السلاح الذري بعد وفاة روزفلت كان من المشكلات المعقدة التي واجهت الرئيس ترومان في بداية عهده. ذلك لأن استخدام السلاح الذري لم يكن متفقاً مع المبادئ الإنسانية والأخلاقية, خاصة بعد أن امتنع الجنود عن استخدام الغازات السامة والخانقة والجراثيم بعد الآثار المدمرة واللاإنسانية التي حدثت في الحرب العالمية الأولى من جراء استخدام هذا السلاح, والتي كبدت القوات الفرنسية وقوات الحلفاء خسائر في الأرواح قدرت بالآلاف. ولذلك شكل ترومان لجنة فرعية من بعض العلماء والسياسيين للنظر في كيفية استخدام هذا السلاح الذي أوشك على الظهور, وطرح أمام اللجنة السؤالان التاليان:
هل من المناسب إنسانياً استخدام السلاح الذري؟
وهل من الأفضل إخبار العدو بحقيقة هذا السلاح فيكون له الخيار بين التسليم وبين تحمل مسؤولية الضحايا؟
أما بخصوص السؤال الأول فإن اللجنة وافقت بالإجماع على استخدام السلاح الذري. ومبررها الأخلاقي هو أن اليابان تستميت في الدفاع عن ممتلكاتها. وستكون أشد استماتة عندما تغزى أراضيها. وعلى هذا فإن استمرار الحرب فترة طويلة سيكلف الطرفين خسائر فادحة في الأرواح والأموال. وقدر الخبراء أن خسائر أمريكا وحدها ستبلغ مليون نسمة, وهذا يفوق ضحايا القنبلة الذرية.
وأما فيما يتعلق بالسؤال الثاني, فقد تشعب الرأي, وذهب البعض إلى حد المطالبة بدعوة المراقبين من الأعداء لمشاهدة التجربة في صحراء ” نيومكسيكو”. ولكن الردود جاءت بجواب مفحم, وهو أنه ماذا يكون الوضع لو لم تنجح التجربة؟ كذلك كان هناك اعتراض على إنذار العدو بإلقاء القنبلة في وقت ومكان محدد, بأن اليابان قد تلجأ إلى تجميع الأسرى في هذا المكان.
وانتهت اللجنة إلى أن الهدف من استخدام القنبلة هو الحرب النفسية لدفع اليابان إلى التسليم فوراً. لذلك أوصت بأن تقذف فوق هدف عسكري تحطيه المساكن الأسهل تدميرا. وعلى هذا الأساس تم اختيار هيروشيما. واكتفي في إنذار وجهة الحلفاء في26 تموز بالتلميح أن اليابان سوف تتعرض لأسلحة جديدة أشد فتكاً من تلك التي استخدمت في إخضاع ألمانيا. وأطلق الحلفاء الإشاعات بين الشعب الياباني مفادها أن أمريكا أعدت لليابان مفاجأة من طراز جديد.
لقد جمعت محنة الحرب بين أمريكا وبريطانيا وروسيا في تحالف كان له دور خطير. وكان الاتصال دائماً بين “ترومان وتشرشل وستالين” للتنسيق في شؤون الحرب. ومن أهم الاجتماعات التي تمت بين الرؤساء الثلاثة, الاجتماع الذي عقد في منتصف تموزعام 1945 في ” بوتسدام” وهي من ضواحي برلين الشرقية. وتشاء الظروف أن تصل إشارة إلى ترومان بأن الاختبار النووي قد نجح وأن القنبلة الذرية قد تمت تجربتها وأن التجربة قد نجحت. لقد كانت لحظة حاسمة في تاريخ الحرب وفي تاريخ البشرية. يقول ترومان في مذكراته: “…حاولت أن أنقل النبأ إلى ستالين كما لو كان شيئاً عارضا طارئا قد طاف بخاطري وأنا أتحدث إليه. فذكرت له في سياق حديثي معه في موضوعات أخرى أننا في الولايات المتحدة نمتلك الآن سلاحاً جديداً له قوة تدميرية غير عادية ولم يظهر الرئيس الروسي اهتماما خاصا بما سردته عليه. وكان كل ما قاله أنه سعيد بسماع هذا النبأ. ويأمل أن نحسن استخدام السلاح الجديد ضد اليابانيين.”
ولم يكن هدوء ستالين أكثر من قناع يخفى وراء انفعالاته. إذ أنه كان لا شك يعلم عن المشروع الأمريكي (مشروع مانهاتن) عن طريق مخابراته وعملائه السريين, وكان قد بدأ فعلا في روسيا برنامجاً للأسلحة النووية.
وقد انتهى اجتماع دول الحلفاء بإصدار إنذار إلى اليابان في 26 تموزعام 1945 يطلبون منها التسليم غير المشروط. ورفض رئيس الوزراء الياباني الإنذار الثلاثي, ولكنه أبدى استعداده للاشتراك في مباحثات السلام لإنهاء الحرب على شرط أن تحتفظ اليابان بالأراضي التي استولت عليها, وأن تحصل أيضاً على تأكيدات من الحلفاء أن يحتفظ الإمبراطور بعرشه. ورفض الحلفاء شروط اليابان. وأصروا على أن يكون تسليم اليابان تسليماً غير مشروط. وتمسكت اليابان بموقفها بكل إباء حتى جاء اليوم الموعود.
اليابان دأبت على مواجهة الكوارث
لقد سارت بنا التجارب الذرية جنبا إلى جنب مع أحداث الحرب العالمية الثانية حتى تم للحلفاء إنتاج السلاح الذري وإعداده لردع اليابان وهنا يجب أن يتطرق بنا الحديث قليلا لنستعرض شيئا عن اليابان التي استهدفتها دول الحلفاء بالتدمير الذري.
من المعروف أن الجزر اليابانية تولدت نتيجة للزلازل والبراكين فليس هناك مكان على وجه الأرض عانى
مثل ما عانته اليابان من اضطرابات على أراضيها ولنضرب لذلك مثلا بما حدث في عام 1891 حين انشقت الأرض شقا كما لو أن أبواب جهنم قد فتحت على مصراعيها لكي تغوص الأرض اليابانية بما حملت وتلتهم ألسنة النيران المندلعة مدنا وقرى بأسرها وتتكرر المآسي عاما بعد عام نتيجة فوران البراكين وتجدد الزلزال وتلاطم الأمواج حتى ساد الاعتقاد بان اليابان برمتها سوف تبتلعها لجج المحيط.
لقد تعود اليابانيون من قديم الأزل على مواجهة الكوارث والمحن. ويذهب بعض المؤرخين إلى أن هذه الطبيعة البركانية قد انعكست على طبائع اليابانيين فتعودوا على مواجهة الموت بشجاعة دون شكوى أو نحيب. وأسهم ذلك بقدر موفور في اكتسابهم صفات مميزة اشتهروا بها على طول تاريخهم الطويل. ومنها الاستسلام والخضوع للكوارث وحب الهجرة والتوسع في أراضيهم لاستيطان مناطق زراعية آمنة. وتنبثق حركة التوسع الياباني عن أفكار عقائدية فضلا عن المصالح الاقتصادية. فقد درجت الحكومة على تشجيع تعاليم ديانة ” الشنتو” التي تبث لدى الشعب أحقيتهم في سيادة العالم واستغلال خيراته.
وقبل الحرب العالمية الثانية. بدا واضحا ندم دول الحلفاء على تقوية اليابان وأدركت قيمة ما أسمته بالخطر الأصفر. وأقفلت استراليا وأمريكا باب الهجرة أمام اليابانيين بعد أن استمرت اليابان في فرض سياسة التوسع حتى تم لها احتلال منشوريا وجنوب شرق آسيا وبكين ومعظم موانئ الصين الهامة.
وفي غضون الأشهر الأولى للحرب استطاعت البحرية اليابانية احتلال” سيام “. كما تم لها شل حركة السلاح البحري البريطاني في الشرق الأقصى بعد أن أغرقت البارجات البريطانية. ثم توغل جيش اليابان داخل “الملايو”. ولقد كان هجوم اليابان على جزر هاواي وهي من الممتلكات الأمريكية بمثابة الشرارة الأولى التي تسببت بدخول أمريكا الحرب بتصميم غريب لسحق جيش اليابان وإنهاء التوسع الياباني في آسيا.
وبعد ثلاثة أيام من ضرب ميناء “بيرل هاربر” أعلنت كل من ألمانيا وايطاليا الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية. في ذلك الوقت كانت ألمانيا النازية تسيطر على أوروبا الغربية والبلقان وتوغلت الجيوش الألمانية في قلب الإتحاد السوفييتي. وبعد ضرب ميناء “بيرل هاربور” احتل الجيش الياباني سنغافورة، وهي من أهم القواعد البريطانية في المنطقة، ثم استولى أيضا على جاوا وسومطرة وبورنيو وتيمور وبورما ومعظم جزر الهند الشرقية التي تزخر بثروات طبيعية هائلة من البترول وغابات المطاط الشاسعة. وبذلك انهارت الإمبراطوريات الاستعمارية لكل من بريطانيا وهولندا والولايات المتحدة الأمريكية أمام الزحف الياباني المستمر.
وعندما أعلنت أمريكا الحرب على اليابان تم تسليم جزيرة “أوكيناوا” في 20تشرين الأول عام 1944م بعد معركة ضارية فاشتدت مقاومة الجيش الياباني وصدر قرار بتجنيد الأطفال من الجنسين البالغ أعمارهم 12سنة وأيضاً الشيوخ حتى سن الستين والنساء حتى سن الخمسين وأنطلق السلاح الجوي بطلعات انتحارية بالطائرات على شكل مجموعات كانت الأولى من نوعها. واستمر القتال بشراسة لم يسبق لها مثيل. وتم قصف طوكيو مرات عديدة. وبعدها ظلت القنابل تنهمر على المدن اليابانية الواحدة تلو الأخرى وتتزايد حدتها يوماً بعد يوم. ثم وجه الحلفاء رسالتهم إلى اليابان بالتسليم غير المشروط كما تضمنت الرسالة أيضاً نزع السلاح ووقف إنتاج الصناعات الحربية وإلغاء النظام العسكري وتسليم جميع المدن التي احتلتها اليابان. وتم إطلاق الإشاعات وتوزيع المنشورات بين الشعب الياباني تفيد بمطالب الحلفاء وأنهم يعدون لهم مفاجأة من نوع جديد. وكان السفير الأمريكي لدى اليابان قد ندد في حديث إذاعي بحوادث التعذيب التي يتعرض لها الصحفيون الأمريكيون ورجال الإرساليات المسيحية لانتزاع اعترافاتهم بعد إعلان الحرب رسمياً على اليابان وطالب بضرورة إبادة النظام العسكري كما أفاد بأن شعب اليابان لا يمكن إخضاعه إلا بعد إلحاق هزيمة عسكرية كاملة به.
مدينة هيروشيما اليابانية
تقع مدينة هيروشيما على نهر”أوتا” الذي يتفرع فيها إلى سبعة فروع وتبلغ مساحتها 18.000 فدان (72.000 دونم) تحيط بها الجبال من جهات ثلاث والبحر من الجهة الرابعة ويبلغ عدد سكانها قبل إلقاء القنبلة الذرية عليها 480.000 نسمة مضاف إليهم 60.000 من الجنود.
وفي عام 1945 وقبل نهاية الحرب العالمية الثانية تطورت الأمور سريعاً وتتابعت الأحداث. إذ عقد مؤتمر “يالتا” في شباط وهزمت ألمانيا في 8 أيار وسلمت جزيرة “أوكيناوا” اليابانية في 21 حزيران وجربت أول قنبلة ذرية في صحراء “نيومكسيكو” في 16 تموز وافتتح مؤتمر بوتسدام وصدرت قراراته في 26 تموز. حدث كل هذا ولم يعلم اليابانيون من أمر معظم تلك الأحداث شيئاً. لأنهم كانوا مشغولين بالغارات الجوية الكثيرة التي استمرت على المدن اليابانية ليلاً ونهاراً لفترات طويلة. إلا أن هيروشيما لم تصب بسوء من جراء تلك الغارات الجوية المتكررة وقد فسر بعض العسكريين تلك الظاهرة بأنها تركت عمداً بدون غارات لكي تكون حقلاً خصباً لاختبار مدى الخراب والدمار اللذين سوف تحدثهما القنبلة الذرية على مدينة كاملة بسكانها ومنازلها وأهدافها العسكرية.
القنابل الذرية تنهي الحرب العالمية الثانية:
بعد منتصف الليل الساكن وقبل بزوغ فجر يوم جديد، غادرت الولايات المتحدة الأمريكية ثلاث حاملات قنابل من طراز ( ب -29) متوجهة صوب جزر اليابان. وفي صباح اليوم التالي، وكان ذلك في يوم الاثنين الموافق السادس من آب عام 1945، أطلقت صفارات الإنذار اليابانية، ولكنها لم تلبث أن أتبعت بصفارات الأمان، وخرج الناس من مخابئهم بعد أن ظنوها طائرات الاستطلاع التي يطلق عليها اسم ” اينولاجاي” وتقوم بمهمة استكشافية. كانت هذه الطائرات تحلق على ارتفاع ما يقرب من 8500 متراً من الاتجاه الشمالي الشرقي وفجأة وفي منتصف المدينة هدأت إحدى الطائرات من سرعتها وألقت بجسم اسطواني غامض مصحوب بمظلة “براشوت” تحتوي على مجموعة من أجهزة الإرسال وقد صممت بطريقة خاصة لكي تؤكد انفجار القنبلة في لحظة محددة. وكان الدكتور “لويس الفاريز” بالطائرة لتشغيل الجهاز الذي صممه لهذا الغرض وهو حائز على جائزة نوبل.
وبسرعة البرق الخاطف استدارت الطائرة في الاتجاه المعاكس وغادرت المكان وبعد دقيقة واحدة قطعت فيها مسافة 16كم لمح الناس وميضاً ساطعاً أخاذاً يطويه سحاب أحمر كثيف فاتجهوا بأبصارهم إلى السماء وهم يتعجبون ويتساءلون عن ماهية ذاك الشيء الاسطواني المجهول الذي يسقط في مدينتهم وبعد دقيقة ونصف وعلى ارتفاع 570 م من سطح الأرض وكان ذلك في تمام الساعة الثامنة والربع من صباح ذلك اليوم المشئوم, اهتز العالم على أثر دوي رهيب تجاوبت به أرجاؤه البعيدة والقريبة. وحمل الدوي معه إصداء حدث مروع لقد ألقيت القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية.
ولما لم تستلم اليابان أعقبتها الولايات المتحدة بأخرى بعد ثلاثة أيام ألقيت على مدينة نجازاكي فأتت القنبلتان على قلبي المدينتين فنسفتهما نسفاً وأزالت معالمهما من الوجود بعد أن غمرتهما بضوء يفوق ألف شمس ويبدو كأنه مزيج من الأصفر والبنفسجي والرمادي والبني الداكن. وتحت ما يشبه سحب الغبار بدأ النهار يتحول شيئاً فشيئاً إلى ظلام تام.
يبلغ طول القنبلة 3أمتار وقطرها 70 سم ووزنها 9000 رطل ( 4.1 طن) وقوة تفجيرها تكافئ 20.000 طن من أشد المواد المتفجرة (T.N.T).
وتدل التقارير التي وردت بعد ذلك أن السكان القاطنين في نطاق مئات الأمتار من الانفجار كانوا يحترقون وتتفحم أجسادهم وبعد ذلك المدى يصاب الناس بحروق من الإشعاعات وقد بلغ عدد الضحايا ما يقرب من 250.000 نفس بين قتيل وجريح وأصيب من نجا من لحظة الانفجار الأولى بفقد السمع والبصر والحروق والتشوهات مدى الحياة. هذا علاوة على تأثير أشعة جاما التي تقتل كريات الدم البيضاء وتمنع تجلط الدم مما يسبب النزيف المستمر تحت الجلد وإتلاف الأنسجة ونخاع العظم وهذه الأخطار تسبب الوفاة المتأخرة. وما زال بعض المشوهين في اليابان يعانون من آثار الإشعاع وهم على قيد الحياة حتى الآن.
وفي لحظة الانفجار تكون الذرات شديدة السرعة ويكون مصدر الانفجار شديد الحرارة التي قد تصل إلى ملايين الدرجات فتنصهر تبعاً لذلك حبيبات التربة ويتحول الرمل إلى زجاج وتعجز الأرض عن الإنبات. وفي لحظة القصف عندما يصبح مركز الإنفجار شديد الحرارة تتكون كرة هائلة من النار تبدو كما لو كانت شمساً صناعية. وقد بلغ قطر هذه الكرة 60مترا في زمن قدره جزء من 10.000جزء من الثانية وقدرت درجة الحرارة بما يقرب من 300.000 درجة مئوية. أما في لحظة الانفجار فان درجة الحرارة تبلغ 50 مليون درجة. بعد ذلك تكوم الغبار الذري على هيئة قبة تشبه فطر عيش الغراب وأخذت تتجه إلى أعلى حتى وصلت لارتفاع 9.000م.
هيروشيما تغرق
بعد مرور 15دقيقة بدأ المطر يتساقط وفي غضون ساعتين انهمر المطر على هيئة سيول جارفة داكنة اللون وملوثة وبالإشعاع والغبار والذري واستمرت الفيضانات متدفقة لساعات متواصلة إلى أن جرفت في طريقها مخلفات الدمار التي قاومت القصف كما أزالت شوارع بأكملها واكتسحت الجسور وفي كل ما اعترض طريقها من المنازل والمنشئات العسكرية وجثث الضحايا والجرحى وغير ذلك وعلى بعد 15كم من مركز الانفجار كان هناك فريقين الخبراء قدموا من الجامعات للقيام بدراسة التأثيرات التي طرأت على المرضى وفجأة انهمر عليه جزء من الجبال وغرق جمع غفير من الباحثين والمرضى وقد نتج عن الانفجار الذري وما أعقبه من ارتفاع مذهل في درجات الحرارة موجات من الضغط سحقت المباني الواقعة في حدود 2,5كم من مركز الانفجار وحطمتها.
هيروشيما تحترق
بعد مرور 20دقيقة اندلعت الحرائق في كل مكان حتى أنها وصلت إلى 3.700م من الانفجار وكانت ألسنة النيران تشتعل بشدة وبسرعة بالغة فاحترقت أعمدة التليفونات وأسلاك البرق والكهرباء وعزلت المدينة عن باقي المدن عزلاً تاماً وانفجر أحد خزانات الوقود بالمدينة واشتعلت فيه النيران بضراوة بالغة وانعكست ألسنة اللهب على مياه النهر فبدت كما لو كانت قطعة قدت من الجحيم وفي ظهر ذلك اليوم المشئوم بلغت ألسنة النيران ذروتها وظلت كذلك حتى بدأ ظلام الليل الحالك فأضاءت المدينة المنكوبة واختلط على الناس الأمر فلم يدركوا ليلهم من نهارهم. استمرت الحرائق المندلعة 3 أيام متواصلة أتت فيها نيران على الأخضر واليابس وأزالت معالم المدينة من الوجود كما استمرت المواد المتفحمة في الاشتعال لمدة أسبوع حتى أن أحد الأطباء الذين نجوا من آثار القصف الذري ظل يضمد جراح مرضاه على ضوء الحرائق المندلعة.
وبعد ضرب مدينة ناجازاكي أذاع راديو طوكيو بياناً موجزاً عن ضرب اليابان بنوع جديد من القنابل إلا أن الإذاعة الأمريكية أماطت اللثام عن نوع القنابل المستخدمة في قصف اليابان وقوة تفجيرها.
انقلاب عسكري في اليابان
من المدهش أن المعارضة في اليابان لم تتحول عن رأيها في عدم الاستسلام حتى بعد ضرب مدينتي”هيروشيما وناجازاكي” بالسلاح الذري. لذا فقد قام أحد قواد الجيش من المعارضين للإمبراطور في استسلام بلادهم وهو يدعى”آماني” قام بمحمولة انقلاب فاشلة في 11 آب. وقد اضطر بعد ذلك للانتحار مع عدد من الضباط الذين أيدوه وعاونوه.
اليابان تستسلم
في 14آب عام 1945تحدث إمبراطور اليابان لأول مرة في تاريخه مخاطباً الشعب مباشرة بكلمات قليلة جاء فيها”… بعد تفكير وروية في الظروف التي تمر بها إمبراطوريتنا قررنا اتخاذ خطوات إيجابية نحو دوام الاستقرار على الوضع الراهن بتدابير صارمة”. كان أروع شيء لدى شعب اليابان أن يتحدث إليهم الامبراطور بصوته مباشرة وكان المصابون يتكئون على عصا ليسمعوه من مكبرات الصوت وهم ينتحبون والدموع تنهمر من عيونهم. لقد كان الضحايا يفارقون الحياة وهم يرددون اسم الامبراطور وأنهم يموتون فداءه.
بعد إلقاء بيان الأمبراطور تم تسليم اليابان لقوات الحلفاء. أما وثيقة الاستسلام فقد وقعت في اليوم الثاني من أيلول على الباخرة ميسوري على شواطئ طوكيو وبذلك انتهت الحرب العالمية الثانية وأشد الحروب ضراوة في التاريخ ومع طلب التسليم تحفظ الأمبراطور بخصوص بقائه على العرش. ورأى السوفييت أن هذا يتنافى مع مبدأ التسليم دون قيد أو شرط. إلا أن الاتجاه السائد في الولايات المتحدة أيد بقاء الامبراطور على أن يخضع للقائد الأعلى لقوات الحلفاء. ولذا فقد تعهدت أمريكا أن يبقى إمبراطور اليابان على عرشه.
وتشاء الأقدار أن يظل إمبراطور اليابان على عرشه بعد تدمير بلاده لما يربو على نصف قرن من الزمان لكي يتحدى الأعداء ويشهد بنفسه التقدم العلمي والصناعي والتكنولوجي الرائع لبلاده وأن يغزوا العالم أجمع بإنتاج اليابان التي كتب لها التفوق في شتى مناحي الحياة.
حول العالم

حول العالم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.