الصحة النفسية للطفل
الصحة النفسية هي حالة دائمة نسبياً، ويكون فيها الفرد متوافقا نفسيا (شخصيا وانفعاليا واجتماعيا) مع نفسه ومع الآخرين،ويكون قادرا على تحقيق ذاته واستغلال قدراته وإمكاناته إلى أقصى حد ممكن، كما يكون قادرا على مواجهة مطالب الحياة وتكون شخصيته متكاملة وسوية وسلوكه عاديا بحيث يعيش في سلامه وسلام.
وتنقسم الصحة النفسية لشقّين:
شق نظري علمي يتناول الشخصية والدوافع والحاجات وأسباب الأمراض النفسية وأعراضها وحيل الدفاع النفسي والتوافق وتعليم الناس الوعي النفسي وتصحيح مفاهيمهم الخاطئة. وشقّ عملي تطبيقي يتناول الوقاية من المرض النفسي وتشخيص الأمراض النفسية وعلاجها.
" ومن مظاهر الصحة النفسية :
كما تظهر في التناسق العام بين الوظائف النفسية، فالصحة النفسية يجب أن تكون عامة وشاملة لطاقات الإنسان، وعلينا معرفة المشكلة وأسبابها وإذا كانت موروثة أو مكتسبة ومعرفة التفاعل والتناسق في ما بينها، وأيضا معرفة المظهر الأساسي الذي يكشف عن مستوى الصحة النفسية، ومعرفة عمل هذه الطاقات ومعرفة وجهتها وأهدافها بسبب أن الشخصية كل موحد، فإذا طرأ على عمل هذه الطاقات ما يعطل تناسقها سيؤثر ذلك في الشخصية ككل، وكذلك معرفة مستقبل الاضطرابات فنعالجه وهذا يظهر في الشخصية المتكاملة والشخصية المتوازنة.
" ومن مظاهر الصحة النفسية :
كما تظهر من خلال معايير عدّة من مثل العلاقة بين طاقات الشخص وإنجازاته والاتزان العاطفي وصلاح الوظائف العقلية والتكيف الاجتماعي.
وهناك الصحة النفسية كما تظهر في نقاط الاتفاق بين عدد من الدراسات التحليلية، ومنها المحافظة على شخصية متكاملة، والتوافق مع المتطلبات الاجتماعية، ونعني بها التناسق بين معايير الفرد ومعايير المجتمع والقدرة على التوافق الاجتماعي، وأيضا التكيف مع شروط الواقع، والمحافظة على الثبات، والنمو مع العمر، أي الزيادة التي يجب أن تزيد مع معارفه وخبراته وانفعالاته وعلاقاته الاجتماعية وقدراته والمحافظة على قدر مناسب من الحساسية الانفعالية (الاتزان الانفعالي). وكذلك المشاركة في حياة المجتمع والعمل على تطويره ضمن طاقاته وتحسين إنتاجه.
ومظاهر الصحة النفسية في التفاعل بين الفرد ومحيطه، وتشمل علاقة الفرد مع نفسه،أي فهم الفرد لنفسه ودوافعه ورغباته وتقديره لذاته وقبوله للمحيط، وأيضا نمو الفرد وتطوره ونظرته إلى المستقبل، من أجل تحقيق ذاته وتنميتها نموا متكاملا،وكذلك وحدة الشخصية وتماسكها تماسكا ينطوي على التغيير المناسب من جهة والثابت الكافي من جهة أخرى.
والتفاعل بين الفرد ومحيطه يتضمن علاقات الفرد مع محيطه، وتشتمل على تحكم الشخص بذاته في مواجهة الشروط المحيطة به، وقدرته على اتخاذ وتنفيذ قراراته المتصلة بمحيطه ضمن شروط وظروف المحيط، وأيضا سيطرة الشخص على محيطه والتفاعل بين الشخص ومحيطه يتم عند إدراك الشخص للعالم كما هو ومواجهته بظروفه الطارئة مع إدراكه لنفسه، وهذا يحقق الشعور بالأمن والطمأنينة الناتج عن نجاحات الشخص في علاقاته مع نفسه ومع محيطه.
ومن هنا، فالصحة النفسية تظهر في قدرة الإنسان على التكيف مع الذات ومع المحيط ونجاحه في تحقيق نوع من التوازن من بين حاجاته وقدراته وشروط المحيط بشقيه المادي والاجتماعي.
" الطفل- ودور الأسرة: يعتبر المجتمع من أهم العوامل في المجال النفسي، ويقصد بالمجال النفسي للطفل مجموعة الحقائق والمؤثرات التي يعيها ويدركها وتؤثر في سلوكه حين يصدر عنه السلوك.
ومن الناحية الانفعالية فإن الفرد منذ طفولته تتمايز لديه مع نموه انفعالات مختلفة ويكتسب سلوكه أساليب سلوكية معينة من المجتمع الذي يحيط به، فهو يتعلم ضبط الانفعالات ويصل إلى الاستقلال الانفعالي ويهيئ الجو النفسي الصحي المناسب للحياة السعيدة ويحقق الصحة النفسية بكافة الوسائل.
والطفل في علاقاته مع مجتمعه يجد نفسه أمام وسائل عديدة منها علاقته مع الأفراد الآخرين في المجتمع، وعليه أن يشترك في كثير من أوجه السلوك، وعلينا أن نعلم أن السلوك مكتسب ومتعلم من المجتمع الذي يعيش فيه الطفل وليس وراثيا وسلوك الطفل أيضا مرتبط بمثيرات ومواقف من مجتمعه، وكذلك للسلوك خصائص انفعالية نفسية.
وهنالك وظائف مكتسبة من المجتمع، يحدد المجتمع طريق السلوك ويفسره وينظم العمليات الانفعالية للطفل حول بعض النواحي الموجودة فيه، وكذلك ينعكس المجتمع في سلوك الفرد وفي أقواله وانفعاله وتفاعله مع الآخرين، وييسر للطفل القدرة على اتخاذ القرارات في المواقف النفسية المتعددة في شيء من الاتساق والتوحد.
والثقافة من عوامل المجتمع التي تقوم على رعاية الصحة النفسية للطفل، وهي مجموع ما يتعلمه الطفل، وتضم الدين والتراث واللغة والعادات والقيم والتاريخ والجغرافيا والاتجاهات والعلاقات والمعتقدات والأفكار وغير ذلك.
والثقافة في النهاية هي للمجتمع، إذا اتبعها الطفل فإنه سيتمتع بالصحة النفسية السعيدة، فالطفل يتعلم دوره الجنسي ويسلكه حسب ما يريد المجتمع فينعم بالصحة النفسية، ويعلم الطفل السلوك المطلوب منه والذي يفرضه المجتمع فيتعلم بالصحة النفسية. ولا ننسى أن للمؤسسات الإعلامية في المجتمع تأثير في المجتمع إيجابيا وسلبيا.
فالأسرة من خلال الزواج والإنجاب تتحول إلى أهم عوامل التنشئة الاجتماعية النفسية للطفل، والأسرة هي الممثلة الأولى للثقافة وأقوى الجماعات تأثيرا في سلوك الطفل، وللأسرة وظيفة اجتماعية بالغة الأهمية، فهي المدرسة الاجتماعية الأولى للطفل، وهي تقوم بتكوين شخصية الطفل وتوجيهه للسلوك الصحيح.
وأشار العالم وولر 1938 في كتابه الأسرة، أن الأسرة وحده متفاعلة، وأنها نسق مغلق من التفاعل الاجتماعي وتتبلور الأسرة بخصائص عديدة، في عملية التنشئة الاجتماعية، من مثل: إن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل، وهي المسؤولة عن تنشئته، وهي تعتبر النموذج الأمثل للجماعة الأولية التي يتفاعل الطفل مع جميع أعضائها. وللوالدين الدور الكبير على الطفل حيث يؤثران في تكييف الطفل ونموه النفسي والاجتماعي السائد في الأسرة المتكونة من الوالدين والأخوة والأخوات، إذ ليست الأجواء المنزلية من نمط واحد، فهي تختلف من أسرة إلى أخرى، فبعض البيوت تبدو أنها أماكن طبيعية لرعاية الأطفال نفسيا بينما تبدو الأخرى على العكس.
ويتحدد دور الأسرة في عملية التنشئة الصحيحة: في أن الأسرة تؤثر في النمو النفسي السوي وغير السوي للطفل، وتؤثر في شخصيته وظيفيا وديناميكا فهي تؤثر في نموه العقلي والانفعالي والاجتماعي:
1. تعتبر الأسرة المضطربة بيئة نفسية سيئة للنمو فهي تكون بمثابة مرتع خصب للانحرافات السلوكية والاضطرابات النفسية الاجتماعية والجنوح.
2. الأسرة السعيدة تعتبر بيئة نفسية لنمو الطفل وتؤدي إلى سعادته.
3. إن الخبرات الأسرية التي يتعرض لها الطفل في السنوات الأولى من عمره تؤثر تأثيرا مهماً في نموه النفسي.
4. وعلى الوالدين معاملة أطفالهم وكأنهم اخوتهم واستشارتهم بأمور الأسرة، والأخذ برأيهم، وكذلك تعليم أبنائهم الأخلاق الحميدة والدين الصحيح والعادات والتقاليد والقيم؛ حتى يعيشوا حياة نفسية سعيدة.
5. وعلى الوالدين بناء العلاقات المنسجمة بين الأخوة، وعدم تفضيل أحدهما على الآخر حتى لا يتولّد لديهم التنافس والغيرة. وكذلك إشباع الحاجات النفسية خاصة الحاجة إلى الإنتاج والأمن والحب، وعليهم تنمية القدرات عن طريق اللعب والخبرات البناءة والممارسة الموجهة واحترام الآخرين وتعليم التوافق الشخصي وتكوين الاتجاهات السليمة بالتغذية والكلام والنوم.
الوقاية من مشكلات الصحة النفسية للطفل: مفتاح الصحة النفسية هو أن ينمو الطفل نموا سليما وينشأ تنشئة نفسية سوية وأن يتوافق شخصيا واجتماعيا، ولتحقيق ذلك، فإن على الأسرة اتباع الإجراءات الوقائية النفسية الآتية.
1. ضمان وجود علاقة متينة مع الوالدين.
2. الحرية التي تتناسب مع درجة النضج.
3. العمل على تحقيق أكبر درجة من النمو والتوافق في مراحله.
4. المرونة في عملية الرضاعة والفطام والتدريب على الإخراج.
5. التوجيه السليم والمساندة والأسوة الحسنة أمام الطفل.
6. سيادة جو مشبع بالحب يشعر فيه الطفل بأنه مرغوب فيه ومحترم.
7. إمداد الوالدين بالمعلومات الكافية عن النمو النفسي للأطفال.
8. ضمان وجود التعاون الكامل بين الأسرة والمدرسة في رعاية النمو النفسي للطفل.
9. الاهتمام بنمو الشخصية بمظاهرها كافة: الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والاهتمام بتوازنها بحيث لا يغلب بعد على الآخر.
ومن العوامل التي تساعد في دعم الصحة النفسية للرضع: 1. ملازمة الذين يعرفهم وعلى رأسهم الأم وبقية أفراد الأسرة الذين ألفهم.
2. احتضان الرضيع في أثناء رضاعته سواء من أمه أو إذا كانت الرضاعة صناعية.
3. ملاعبة الأهل للطفل وحملهم له وابتسامهم في وجهه ومناغاته، وإعطاؤه الحب والحنان.
4. حمايته من الأصوات العالية والمزعجة.
5. التربيت الودود على جسم الرضيع في أثناء مداعبتهم له.
6. تجاهل بكاء الطفل إذا كان نظيفا ولا يشكو من ألم ولا من جوع.
7. التحدث من قبل الأهل والآخرين له بلغتهم الطبيعية وكأنه عاقل.
8. أن لا يبتعد عن الأم خصوصا في الشهور المتأخرة في السنة الأولى.
وللوالدين دور كبير حتى يتمتع ابنهما بالصحة النفسية السعيدة، يتلخص في ضرورة تمهيدها للطريق أمام طفلها الرضيع ليكمل مشواره في النمو الطبيعي، ولذلك يجب أن
يدرك الوالدان حجم مسئوليتهما تجاه أطفالهم، فيعملا على المباعدة بين الحمل والآخر ويرعيا طفلهما الرعاية الكافية.
ومنذ الطفولة وصاعدا يتأثر الأطفال تماما باتجاهات والديهم العاطفية، فينمون وينجحون في منزل يعيش فيه الأبوان سعيدين لا يعكر صفوهما عسر مالي أو غيره من المنغصات، حيث يأخذ كل طفل نصيبه كاملا من حب أهله واهتمامهم دون إفساد، وعلى النقيض لا يأمنون على أنفسهم متى شعروا بخلاف بين الأب والأم أو عندما يكتشفون أن إخوتهم وأخواتهم الكبار قلقون على مستقبلهم، وكذلك عندما يشعرون بأن أهليهم غير مهتمين بهم أو مشفقون جدا عليهم، فإن إحساس الطفل الداخلي بحقيقة موقف الأسرة العاطفي يجعل تظاهر الكبار بعكس ذلك عديم الجدوى مهما بذلوا من جهود لإخفائه عنه.
فعلى الآباء لمصلحتهم الخاصة ولمصلحة أطفالهم أن يواجهوا حقائق الحياة وأن يتجاوبوا معها ما أمكن، كما يجب أن يعمل كل من الأم والأب على قيام حالة انسجام بينهما، فمن العقل أن يخفض الأب والأم مستوى معيشتهما نوعا ما بدلا من القلق المستمر على موقفهما المالي، وأن يقللا من المزايا التي يمنحونها لأطفالهم حتى لا يعيشا في قلق وشك واضطراب، ولهذا فالأب والأم الذين يعيشان في توافق وتعاطف قانعين معا متفهمين في نظرتهما إلى الحياة ليضعا لأطفالهما أسسا قوية من الأمن والسعادة لا مثيل لهل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق